ما يُطلب في العشر الأواخر التي فيها ليلة القدر
"اعلم أن الله سبحانه تعالى فضل مواسم الطاعات على سائر الأوقات، ويسرها للخيرات والبركات، وشرف شهر رمضان على جميع الشهور، وخص لياليه بالفضل المشهور، وميزها بليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، وأطلع فيها على أهل الذنوب فغفرها، وعلى العيوب فسترها، وعلى القلوب فسكنها وعمرها، وعلى حوائج السائلين فقضاها بفضله ويسرها، وجعل هذه الليلة الشريفة واسطة عقد الدهر، وصير أعمالها موفورة الأجر، فما أدركها داع ذو إنابة، إلا ظفر بتعجيل الإجابة، ولا استجار فيها مستجير إلا أجاره الله وكفاه، ولا أناب إليه فيها منيب إلا قبله واجتباه، ولا تعرض لمعروفه طالب إلا جاد عليه وحباه.
من عظمها ووقرها، يالها من ليلة ما أبركها وأنورها، وما أثر خيراتها وأغزرها، تفتح فيها أبواب السماوات، وتنزل الملائكة بالبشارات لمن أحياها من الأنام، وسهر ليله ومنع جفونه من المنام.
من تلذذ فيها بالمناجاة وتمنى، وتهنى فيها بطاعات مولاه وتحلى، فقام على قدمه فتضرع وصلى، وشاهد أنواره لما تجلى، فيالها من ليلة ما رفعت فيها إليه قصة محتاج إلا نظرها، ولا وصلت إليه دعوة إلا أنجزها ونصرها، ولا صعدت إليه أنفاس كربة إلا أزال كربتها وضرها، ولا انتهت إليه شكاية ملهوف إلا أزال عنها الحرج وأتاها بالفرج وبشرها، ولا تضرعت بين يديه معتذرة إلا قبلها وأعذرها، ولا توجعت من أجله قلوب المنكسرة إلا أغاثها بلطفه وجبرها.
أخرج الإمام أحمد رحمه الله تعالى في مسنده بسند حسن عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم عن عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه: أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال: ( ليلة القدر في العشر البواقي، من قامها ابتغاء حسبتهن فإن الله تبارك وتعالى يغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وهي ليلة وتر: تسع أو سبع أو خامسة أو ثالثة، أو اخر ليلة) قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: رجاله ثقات.
وأخرج النسائي في السنن الكبرى عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه مرفوعا: ( من قام رمضان- وفي رواية شهر رمضان- إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر). قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في الخصال: كذا رواه النسائي عن قتيبة وتابعه حامد ابن يحي عن سفيان وهو ثقة ثبت؛ واسناده على شرط الصحيح." اهـ.