هل يُكره الشيء الحسن؟
كلا.
فإنّ الطعام الطيب، واللباس الجميل، وألف شيء حسن لا يُكره، بل يرغب فيه الإنسان.
وهل يُحب الدين؟
كثير من الناس لا يحبونه!
وربما تركوه كلاً أو بعضاً!
فهل ينتج ذلك أن الدين ليس شيئاً حسناً، حيث رغبوا عنه ولم يرغبوا فيه؟
كلا.
فما وجه ذلك؟
الجواب: إن الرغبة في الشيء ليست خاصة بحسنه الذاتي فيُحبّ، وبالسيئ كذلك أي لقبحه الذاتي فيكره، بل يتدخل في الأمر شيء آخر نفسي، فالحسن الذي يعرفه الإنسان يحبه، فإذا لم يعرف حسنه لم يحبه بل ربما كرهه لذلك، وهكذا بالنسبة إلى السيئ الذي لا يعرف الإنسان سوءه فإنه لا يكرهه.
فالأمور أربعة:
الحسن والسيئ، وكل واحد منهما إمّا يُعرف حُسنه وسوؤه، أو لا يعرف فهذه أربعة، وعدم العلم أعم من السلب بأن لا يُعرف مما يسمى بالجهل البسيط، والإيجاب المخالف للواقع بأن يعرف الإنسان ضد الواقع مما يسمى بالجهل المركب على تفصيل مذكور في محله.
وربما اعتبرنا معرفة ضد واقعه أمراً خامساً بأن يعرف الحسن سيئاً أو السيئ حسناً.
وهذا هو السر فيمن لا يرغب في الدين.
فإنّ الجاهل بكون الشيء الفلاني دواء دائه، يكرهه ويتجنبه، مع أنه حسن ومفيد.
والجاهل بكون الشيء الفلاني يضره، إذا اشتهاه رغب فيه وأقدم عليه مع أنه سيئ ومضرّ.
والدين من هذا القبيل، فإنه حسن جميل، لكن ربما أعرض البعض عنه لأنه لا يُعرف حسنه وأنه نافع في الدنيا والآخرة.
والعمل على خلاف الدين قد يقدم عليه الإنسان مع أنه ضار، لعدم معرفته بأنه يضر بآخرته ودنياه من قبلها.
إنّ القاعدة التي ذكرناها من الكبريات الكلية، والدين إيجاباً وسلباً من المصاديق والصغريات الجزئية.
والذي يجهل الحقيقة سواء بالجهل المطلق أي البسيط، أو المركب بتصور الخلاف، فإنه لا يعمل الواقع النافع، ولا يتجنب الحقيقة الضارة، كالمريض الجاهل بفائدة الدواء أو المتصور بكونه ضاراً فلا يستعمله.
قال تعالى: ((أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)).
وقال سبحانه: ((فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ)).
وقال تعالى: ((إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ)).
وقال تعالى: ((وقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الأولى)).
وقال أمير المؤمنين علي (عليه السلام): «إلى الله أشكو من معشر يعيشون جُهّالاً ويموتون ضُلالاً\.
وقال (عليه السلام): «العلم ينجيك، والجهل يرديك\.
وقال (عليه السلام): «الجهل معدن الشر».
وقال (عليه السلام): «الجهل أدوأ الداء».
من أهم أسباب التخلف
ألف: الجهل
روى السكوني عن جعفر (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «إن قلوب الجهال تستفزها الأطماع، وترتهنها المنى، وتستعلقها الخدائع». ومن هنا فإن من مقومات الإصلاح رفع الجهل ونشر الثقافة والوعي.
فإن الجاهل بالمعنيين البسيط والمركب، يحتاج إلى أمرين:
الأول: الرشد الفكري ومعرفة الضار والنافع.
الثاني: يلزم على أخذ النافع المانع من النقيض وترك الضار كذلك مما يعبر عنه بالواجبات والمحرمات.
وإلاّ فكثيراً ما يعصي الإنسان حتى بعد المعرفة، اتباعاً للشيطان والشهوات والنفس الأمارة، كما هو المشاهد على طول التاريخ.
قال تعالى: ((الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقاً منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون)).
وكان من ذلك قصة بلعم بن باعوراء، والبطائني.
ومن هنا فإن الحكومات تضع قوانين تجبر الناس عليها بحجة رعاية مصالحهم ومصالح بني نوعهم، كقوانين المرور وما أشبه، فالشخص مكلف بالإجراء حتى وإن لم يعرف وجه الصلاح فيها أو تصور عدم صلاحها، كما ترى ذلك في الحكومات الحقّة والباطلة.
ب: عدم الوعي
المسلمون اليوم ملياران لكن يفقدون ـ على الأغلب ـ الرشد الفكري اللازم في مختلف مجالات الحياة، وحتى في مسائلهم الشرعية، فكثير منهم لا وعي له بالحلال والحرام، والطاهر والنجس، والصحيح والباطل، ولذا لا يميزون بينها ويأخذون بكلها، فاختلط عندهم الحابل بالنابل[13].
وإلى هذا المعنى قد يشير ما ورد عنهم (عليهم السلام): «من أن الله أخذ قسماً من الحق وقسماً من الباطل فمزجهما»[14] والأخذ تكويني لا تشريعي والله العالم، وذلك بجعل الدنيا دار أسباب ومسببات للامتحان، قال تعالى: ((أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لايفتنون)).
وقال سبحانه: ((أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ)).
قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام): «إنّما بدء وقوع الفتن أهواء تتبع، وأحكام تبتدع، يخالف فيها كتاب الله، ويتولى عليها رجال رجالاً على غير دين الله، فلو أن الباطل خلص من مزاج الحق لم يخف على المرتادين، ولو أنّ الحق خلص من لبس الباطل انقطعت عنه ألسن المعاندين، ولكن يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث فيمزجان، فهنالك يستولي الشيطان على أوليائه وينجو الذين سبقت لهم من الله الحسن.
وعلى كل حال، فالمسلمون بحاجة إلى أمرين مفقودين عندهما:
أولاً: الوعي.
وثانياً: نوع من الإلزام فيما هو بصالحهم إذا كان بحيث يمنع من النقيض، وكذا في الترك الملزم، فلا يحق لهم العمل على خلاف مصلحتهم إذا كان من الاقتضائيات، والمسألة فيما يرتبط بالأوضاع العامة بحاجة إلى رأي شورى الفقهاء المراجع.
فاللازم الاهتمام بالأمرين، ولو بالقدر الممكن عرفاً.
كما أنّ غير المسلمين كذلك، فإنه يلزم إصلاحهم وإرشادهم إلى ما ينفعهم، فالأول وهو الوعي لكي يسلموا بقناعة تامة، والثاني وهو الإلزام لترك ما يعملونه خلافاً لمصلحة أنفسهم، أو فعل ما يتركونه كذلك، هذا كله مع مراعاة قانون الإلزام ومصاديقه المختلفة.
لذا يمكن التغيير والإصلاح بواسطة جماعة جادة مخلصة تعمل ليل نهار وعلى طول الخط، فـ ((إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم)).
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قرأت في كتاب علي (عليه السلام): إن الله لم يأخذ على الجهال عهدا بطلب العلم حتى أخذ على العلماء عهدا ببذل العلم للجهال لأن العلم كان قبل الجهل».
وقال عيسى (عليه السلام): «صغر الجهال لجهلهم ولا تطردهم ولكن قربهم وعلمهم».
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «العلم مميت الجهل».
وقال (عليه السلام): «ضادوا الجهل بالعلم.